لا بد أن تحب العلوم لتترجمها وتحب الترجمة لتحترفها
لمَّا لم يُقدَّر لي الالتحاق بكلية الصيدلة، وسُيِّرتُ إلى احتراف صنعة الترجمة، جمعتُ الحسنيين بالتخصص في الترجمة الطبية والدوائية. استهوتني قراءة وتفسير نشرات الأدوية ونتائج الاختبارات الطبية وتقارير الأشعة والفحوصات حتى صِرتُ بين أهلي وأصحابي تَّرجُمانهم الطبي إلى أن يحكم في مرضهم الطبيب ويصف له العلاج.
وكثيرًا ما يغبطني أقران ويتعجب مني آخرون لحبي هذا التخصص الذي يصفونه بالجمود، فأخبرهم أن حبه قد وقع في قلبي فلا أصطدم بهذا الجمود الذي يزعمونه بل أجد في ترجمة نصوص الطب حلاوةً لا أجدها في غيرها.
فإن سألتني: أينبغي لي أن أحب الطب لأتقن ترجمته؟ أجبتك: هذا ما خَبُرتُه، فلولا محبتي علم الدواء لارتطمت بصخرة الجمود تلك ولنزفت دمًا فلم أعد إليها.
وهذه مقالتي الأولى في احتراف هذا التخصص: إن كانت نفسك تأنف قراءة نصوص الطب والصيدلة، ولا تحتملها، فانظر لنفسك تخصصًا آخر، فكلٌّ مُيسَّر لما خُلق له.
وباغي احتراف الترجمة الطبية إما ترجمان يبغي التخصص وإما متخصص في علوم الطب يبغي احتراف الترجمة. فأما الأول فينبغي أن يهوى تخصص الطب لكي يصبر على احترافه. وأما الثاني فينبغي أن يهوى الكتابة ويحترم اللغة فهُما ذاته في طريق احتراف الترجمة الطبية.
فإن كنت واحدًا من الاثنين ونفسك تتوق إلى خوض غمار هذه الرحلة، فَسِرْ معي كي أفتح لك أبواب احتراف الترجمة الطبية.
الباب الأول: احتراف اللغة العربية
وما أزال أتحدث إلى أهل العربية فهي لغتنا المقصودة غالبًا عند احتراف الترجمة الطبية. وأبشرك أن السوق العربية محطُّ أنظار صناع الدواء، ووفق تقرير سابق لموقع TradeBusiness فإن صناعة الدواء في ازدهار متزايد في سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقية، وقد يصل نموها إلى 60 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025.
وبعيدًا عن التقارير والإحصاءات فهذا ما نلمسه في أعمالنا من ازدياد طلبات الترجمة في الطب والصيدلة.
ولكي تربح في هذه الصنعة فعليك بإتقان عربيتك، ولن تتقنها إلا بالآتي:
- القراءة في كتب الأولين؛ فهي بلسانٍ عربيٍّ مبين، وابدأ بالأدب الصغير والكبير لابن المقفع، ومن كتب المعاصرين وحي القلم للرافعي والنظرات للمنفلوطي.
- دراسة النحو العربي وابدأ بالآجرومية.
- سماع مقاطع عربية فصيحة واخترت لك قناة عنادل.
الباب الثاني: احتراف اللغة الأجنبية (الإنجليزية أنموذجًا)
دور التَّرجمان الإفهام والتفهيم فكيف تُفهِم قبل أن تَفهَم. وهنا عليك إتقان اللغة الأعجمية التي تترجمها، ونخص بحديثنا هنا اللغة الإنجليزية؛ فهي اللغة المهيمنة على الأبحاث العلمية بنسبة 98% وفق تقرير نقله موقع Phys.org. فعليك إتقان مهارات الإنجليزية لا سيما القراءة والكتابة؛ فالمترجم التحريري أحوج إليهما من غيرهما. ولكي نيسر الأمر فعليك بسلسلة In Use في الإنجليزية وقراءة المقالات الإنجليزية النافعة ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.
الباب الثالث: إدراك مكنون المصطلحات الطبية
يلم بهذا الباب أهل الاختصاص، وأما اللُّغوي غير المتخصص فعليه أن يتعلم كيف يتكون المصطلح الطبي وهذا أساس في احتراف الترجمة الطبية. وزُبدة هذا الباب أن تعلم أن الاصطلاح الطبي تعود أصوله إلى اللاتينية والمصطلح الطبي يتكون من جذور وبوادئ ولواحق، ويرتبط تكوين المصطلح الطبي المركب ارتباطًا وثيقًا بتشريح جسم الإنسان.
وبالمثال يتضح المقال: مصطلح HYPO/GASTR/IC يتكون من:
جذر gastr: معناه المعدة
بادئة -hypo: معناها أسفل
لاحقة ic-: معناها متعلق بـ
فلما يأتي مصطلح بعد هذا المصطلح فمعناه أنه متعلق بما هو أسفل المعدة مثل
Hypogastric Vein ويعني وريد أسفل المعدة.
أما البادئة في مصطلح EPI/GASTR/IC فصارت -Epi ومعناها أعلى؛ ولذا فإن Epigastric يعني شيئًا أعلى المعدة.
إن سألتني: وكيف تعلمت ذلك؟ سأجيبك بجميع موارد التعلُّم التي خَبُرتها في السطور القادمة، فلتكمل معي السير.
الكتب العربية لاحتراف الترجمة الطبية
من أنفع الكتب العربية في هذا الباب كتاب الدكتور حسان أحمد قمحية «مَعالِم في الترجمة الطبِّية» الذي أتاحه للنفع العام، جزاه الله خيرًا.
الكتب الإنجليزية لاحتراف الترجمة الطبية
أضع بين أيديكم كتابين من أنفع الكتب الإنجليزية في الترجمة الطبية:
الأول متخصص في لغة الطب وتحليل المصطلح الطبي وهو كتاب The Language of Medicine للكاتبة Davi-Ellen Chabner.
والثاني مرجع طيب جدًّا في احتراف الترجمة الطبية خطوة بخطوة وهو كتاب Medical Translation Step by Step, Learning by Drafting.
الدورات التدريبية في الترجمة الطبية
من دروس العلم النافعة للتَّرجمان غير المتخصص في الطب دروس العلوم الطبية اليسيرة للمبتدئين، ومن الدروس التي نفعتني:
- دروس مصطلحات العلاج العملي للطلاب على منصة كورسيرا
- دروس تصميم التجارب السريرية وتفسيرها على منصة كورسيرا
- دروس المصطلحات الطبية من جامعة Des Moines University
المواقع الطبية الثنائية اللغة
مما ينفع المترجم الطبي المواقع الطبية المتعددة اللغات، إذ تتيح للترجمان أن يطالع السياقات الطبية باللغة المقصودة واللغة الأصلية. ومن المواقع التي تفيدني في هذا الباب:
- موقع مؤسسة مايو كلينيك.
- موقع أدلة MSD.
- موقع Health Information Translations وما ينفرد به هذا الموقع إتاحته لك اختيار اللغة المقصودة والموضوع المرغوب فيه وتنزيل المحتوى الثنائي اللغة بصيغة pdf تحتفظ بها.
منصات التطوع في الترجمة الطبية
من أنفع وسائل التعلُّمِ التعلُّمُ بالعمل، وهذا لا يتاح لك غالبًا بصفتك مبتدئًا في الترجمة الطبية إلا بالعمل التطوعي. لم أتطوع بترجمة طبية في سوى مؤسسة «مترجمون بلا حدود» و«منصة كورسيرا للترجمة التطوعية»، ولكن كورسيرا أغلقت هذه المنصة.
مدارس التدريب على الترجمة الطبية
لم ألتحق قط بمدرسة متخصصة في تعليم الترجمة الطبية، فحبي للعلوم والترجمة كان وقودي للجد والسعي في تحصيل هذا العلم والتدرب على هذا المجال قبل ظهور هذه المدارس في السنوات الأخيرة، كأكاديمية ابن سينا ومجتمع أندراس وأكاديمية بداية.
قد يكون لهذه المدارس جهد محمود في تيسير تعلُّم هذا المجال الخطير والتدرب عليه، ولكني لم أخبرها جيدًا فلا أزكي منها أحدًا كما لا أجرح أحدًا.
وأهمس لك ناصحًا أن تفكر مليًّا؛ فلا تعطِ مالك أحدًا يزعم أنك بحصولك على شهادة اجتياز دورة علمية ستكون من جهابذة تراجمة الطب وستمطر السماء عليك مئات الدولارات بين عشية وضحاها.
شركات متخصصة في الترجمة الطبية
ولأن الترجمة الطبية صناعة مزدهرة ونحن نعمل طلبًا للرزق الحلال جمعتُ لكم قائمةً ببعض شركات الترجمة التي بها قسم متخصص في الترجمة الطبية.
أعددت هذه القائمة باستخدام تقرير شركة Nimdzi لأربح 100 شركة ترجمة ومحرك بحث الشركات بمنصة Proz.com، ولم أجمع فيها إلا من له تقييم من المترجمين بالمنصة لا يقل عن 4 نجوم.
وأنصحك ألا تعجل بالتواصل مع الشركات الأجنبية قبل أن يشتدَّ عودك في هذا التخصص. | |
نصيحة لأهل الطب والصيدلة
شهدنا كثيرًا من الأطباء والصيادلة الراغبين في احتراف الترجمة الطبية يُهرعون بعد بعض دروس العلم وبضعة مشروعات إلى اعتزال مهنة الطب.
إلى هؤلاء الأفاضل، أناشدكم أن تسألوا أنفسكم ٤ أسئلة مهمة قبل تغيير مساركم المهني من الطب إلى الترجمة، أنقلها لكم من منصة هارفارد بزنس العربية.
تمت المقالة وهي مفتوحة للتحديث المستمر إن شاء الله تعالى.
كتبها الترجمان علي سعد
الآن فهمت عدة نقاط بحثت عنها طويلا ولم أجدها بهذا الوضوح، بارك الله فيك أستاذ علي وأتمنى أن تستمر في إرادتنا بمثل هذه المعلومات.
الحمد لله أن نفعتكم المقالة.