زلزال الإنترنت 2022.
بانصراف عام 2022 زُلزِل الإنترنت زلزالًا عنيفًا بظهور كائن خارق انخلعت له القلوب وجحظت له العيون، وصار الناس يتساءلون أنَّى لهذا الشيء المختبئ خلف الشاشات الإلكترونية القدرة على إنجاز كل ذلك؛ ترجمة وتصميم وكتابة وبرمجة!
ونشأ أهل كل صنعة يتخافتون أيحُلُّ هذا الخارق محلَّنا ويستولي على سوقنا؟ وهُرع أرباب الأعمال إليه بأموالهم يستثمرون، وطفق الجالسون في طرقات التواصل الاجتماعي يشيعون: لِمَ تلجأ إلى مترجمٍ يفك طلاسم نصوصك أو مبرمجٍ يصنع لك كودًا أو مصمم يبدع لك رسمًا أو كاتبٍ يخط لك سطرًا، وبين أيديكم ذكاء خارق عن الجميع يغنيكم؟
كأن هذا الذكاء الخارق أُوُجِد من عدم كما يظن الملحدون، ولم يصنعه صانع، وينمِّه ويربِّه مربٍ، ويعلمْه معلم❗
وهنالك ظهر قومٌ آخرون يسبون هذا الذكاء الاصطناعي وينعتونه بالغباء والهلوسة، ولا يُقِرُّون له بحَسَنة. وهم بذلك يظنون أنهم لأرزاقهم يحفظون ولخِدماتهم يروِّجون.
أمَّا المنصفون فوسطٌ بين أولئك وهؤلاء، فلا يفترون على الذكاء الاصطناعي ولا فوق قدره يرفعونه.
الترجمان يسأل وشات جي بي تي يجيب.
بينما أقلب في مِلفاتي إذ أتذكر سائلًا يعلق على مقطعٍ لي على اليوتيوب عام 2023، فأفردت هذا المقال لأجيبه بعد أكثر من عام ونصف حينما انجلى الغبار لنعلم أفرَسٌ هذا الذكاء الاصطناعي أم حمار؟ ツ ツ
نَصّ السؤال هو: «ايه مدى تأثر مجال الترجمة بالذكاء الاصطناعي حالياً؟ والاختراع المخيف الجديد ChatGPT، أنا مدرك إنه هيأثر على مجالات كتير من ضمنها الترجمة بس هل في يوم ممكن يغني عن الترجمة البشرية؟»
فلمَّا رأيت هذا السؤال آثرت آنذاك أن أعرضه على ChatGPT نفسه وكانت إجابته كالتالي:
محادثة ChatGPT عام 2023.
محادثة ChatGPT عام 2024.
[اضغط العنوان للوصول إلى رابط المحادثة👆]
بعد انقضاء عام أعدتُّ عليه السؤال ذاته فكانت إجابته كالتالي:
لم تتغير إجابته كثيرًا ولكن صارت أكثر إطنابًا وأوضح، وفحواها أن الترجمة بالذكاء الاصطناعي لن تغني عن المترجمين، لا سيما في النصوص الدقيقة والترجمة الإبداعية التي تتطلب فهمًا أعمق لثقافة الجمهور المقصود. أرأيتم؟ شهد شاهدٌ من أهلها.
تجربة ترجمة ChatGPT عام 2023.
في عام 2023 بعد طرح ذلك السؤال على ChatGPT طلبت منه ترجمة جملة I love you to the moon and back إلى العربية فأجاب دون تردد: أحبك إلى القمر وإلى العودة. ツ ツ
أترون أن ترجمته دقيقة فضلًا عن أن يفهمها أحد؟
تجربة ترجمة ChatGPT عام 2024.
وبعد عام ونصف طلبت منه ترجمة الجملة ذاتها فثبت المترجم الاصطناعي على موقفه وقال: «الترجمة العربية للعبارة “I love you to the moon and back” هي: “أحبك حتى القمر والعودة.“»
فماذا ترون الآن، فرسًا أم حِمارًا؟؟
هل تظنون أننا إن طلبنا من أحد المترجمين البَشَر ترجمة هذه الجملة فستكون كهذه الترجمات الركيكة؟!
وهل تعلمون أن هذه الجملة عنوان كتيب بالإنجليزية؟ فلو أراد مؤلفه ترجمته إلى العربية؛ أيُعقَل أن يستأمن أدواتِ الذكاء الاصطناعي على ترجمته؟ ثم ترى في المكتبات كتيبًا عنوانه «أحبك إلى القمر وإلى العودة»؛ فهل تجرؤ على شرائه؟
أبحاث مُنصِفة عن الترجمة بالذكاء الاصطناعي.
📜في بحثٍ بعنوان «ترجمة الذكاء الاصطناعي والترجمة البشرية: دراسة مقارنة مبنية على النصوص القانونية» استنتج الباحثون الآتي:
«لتباين المصطلحات والمفاهيم القانونية في مختلف أقاليم الاختصاص القضائي، قد لا تستطيع الترجمة بالذكاء الاصطناعي دائمًا مراعاة هذه الاختلافات. ولذا ينصَح حاليًّا بالاستعانة بمترجم من البشر له باعٌ في الترجمة القانونية لضمان أعلى درجات الدقة والجودة عند ترجمة النصوص القانونية.»
📜 وانتقالًا إلى إسبانيا في يوليو 2024 حيث أقيم المؤتمر الدُولي السادس عشر عن التعليم وتقنيات التعلم الحديثة، نجد دراسةً تقارن بين الترجمة الآلية بالذكاء الاصطناعي وترجمة بعض الطلبة لمقالات بموقع LinkedIn؛ إذ تفوقت ترجمات الطلاب المبتدئين على أدوات الترجمة الآلية في إدراك السياق والحس اللغوي.
ولقد راجع كلا النوعين من الترجمات محررون محترفون فوجدوا أن الذكاء الاصطناعي والذكاء البشري شقَّ عليهما ترجمة اللغة المجازية.
وخلصت الدراسة إلى أن الذكاء الاصطناعي متفوق في الوقت المستغرق للترجمة، والطلاب متفوقون في الوعي الإنساني للغة.
∴ وعلى ذلك، فيلزمنا ثلاثة عناصر لإنتاج ترجمة عالية الدقة: أداةٌ ذكية، وترجمانٌ واعٍ، ومُحرِّرٌ محترف.
فائدة لُغوية عن الذكاء الاصطناعي.
يرجح جماعةٌ من اللغويين ومنهم بعض مدققي مكتب علي سعد لخِدمات الترجمة تخطئة وصف هذا الذكاء بالاصطناعي لأنه لم يرد في كلام العرب بمعنى المصنوع أو الصناعي.
ومن معاني الاصطناع في كلام العرب:
- الاصطفاء كما قال الله تعالى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [سورة طه: 41] أي اخترتُك
- إسداء المعروف كقولهم: اصطنعت معروفا
- الاستصناع مثل اصطنع فلانٌ خاتمًا أي سأل رجلًا أن يصنعه له
وعلى ذلك استعملنا الذكاء الاصطناعي في هذا المقال، لشيوعه واصطلاح القوم عليه.
مقالة الختام.
أختم هذا المقال بمقالة راقتني لعالم الحاسبات الأمريكي آلان كاي إذ قال:
«يخشى بعض الناس أن يُشعِرهم الذكاء الاصطناعي بالدونية، فإن كان ذلك كذلك، فليحزّ في صدر العاقل النقصُ كلما رأى زهرةً.»
👌وقبل السلام؛ فلو ترجمنا جملة I love you to the moon and back لقلنا:
- إني أحبك حبًّا جمًّا.
- حبي لك بلغ عنان السماء.
- أحبك عدد نجوم السماء وقراب الأرض.
فكيف تعربون عن عظيم حبكم بألسنتكم؟؟ ♥️
[…] الذكاء الاصطناعي فرسٌ أم حِمار؟! [مدونة مكتب علي سعد* لخِدمات الترجمة] […]